في الثالث عشر من أيلول لعام 1993 استيقط الفلسطينيون على واقع جديد شكل منعطفاً في مسيرة نضالهم ضدّ الاحتلال، فقد وقع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات بعد سلسلة طويلة من اللقاءات السرية "اتفاقية سلام" مع رئيس حكومة الاحتلال آنذاك اسحق رابين، برعاية أمريكية من الرئيس الأسبق بيل كلينتون، عرفت باتفاقية أوسلو، أو باتفاق أريحا - غزة أولا.
تنص اتفاقية أوسلو على إجراء مفاوضات لانسحاب جيش الاحتلال تدريجيا من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة على مرحلتين، تبدأ المرحلة الأولى في 13-10-1993 وتنتهي بعد ستة أشهر، وفيها تجري مفاوضات تفصيلية حول الانتقال من الحكم العسكري والإدارة المدنية إلى ممثلين فلسطينيين يتم تسميتهم لحين اجراء انتخابات فلسطينية، وحول قضايا الأمن الداخلي وتشكيل قوة شرطة فلسطينية.
أما المرحلة الثانية المسماة بالانتقالية فتبدأ بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا، وتستمر لمدة خمس سنوات تجرى خلالها انتخابات عامة حرة مباشرة لاختيار أعضاء المجلس الفلسطيني الذي سيشرف على السلطة الفلسطينية الانتقالية، وعندما يتم ذلك تكون الشرطة الفلسطينية قد استلمت مسؤولياتها في المناطق التي تخرج منها القوات الإسرائيلية خاصة تلك المأهولة بالسكان.
وبالنسبة لمفاوضات الوضع النهائي فقد نصت الوثيقة على البدء في تلك المرحلة بعد انقضاء ما لا يزيد عن ثلاث سنوات والتي تهدف بحث القضايا العالقة مثل: القدس، والمستوطنات، واللاجئين، والترتيبات الأمنية، والحدود،وذلك بالاستناد إلى قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.
تبعات اتفاقية أوسلو
أنهت اتفاقية أوسلو المواجهة المسلحة للفلسطينيين - بضفتها الرسمية عبر "منظمة التحرير" - مع "إسرائيل"، وحوّلت رؤية الشعب الفلسطيني من "أرض حرة" إلى "سلطة حكم ذاتي تأسست في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة تضمّ أجهزة أمنية ومؤسسة للرئاسة ومجلساً تشريعياً. كان من المفروض وحسب بنود الاتفاقية أن تقوم هذه السلطة بإدارة الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تزيد عن خمس سنوات تتوجها مرحلة أخرى من ثلاث سنوات للتوصل إلى حلّ لقضايا الوضع النهائي وأهمها القدس وعودة اللاجئين. امتدت هذه الأعوام الثلاثة إلى عشرين عاماً، وللك يمكن اعتبار أوسلو اتفاقاً منتهياً زمنياً بانتهاء سنوات المرحلة الانتفالية هذه، وخاصة بعد فشل مفاوضات الحلّ النهائي في كامب ديفيد، أما ما بقي من أوسلو فهو النتائج العملية على الأرض من سلطة إدارة وأجهزة أمن ووزارات شكلية، وتنسيق أمنيّ وانتهاكات إسرائيلية مستمرة.
وقد أسفرت أوسلو عن نبذ المقاومة المسلحة وقمع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، إذ تلتها ملاحقات متتالية للمقاومين ومصادرة سلاحهم، كما كرست الانقسام الفلسطيني، وهمشت الفلسطينيين في الشتات والداخل المحتل وأسقطتهم من أجندة منظمة التحرير الفلسطينية. في المقابل، نالت "إسرائيل" في أوسلو اعترافاً فلسطينياً وعربياً سخياً بـ"حقها" في الوجود، ولا شكَّ أنَّ أقوى أنواعِ الشرعيةِ هيَ تلكَ التي تخرج من فَمِ المظلومِ لتضفيها على ظلم الظالم.
وقدتوسعت "إسرائيل" استيطانياً داخل الضفة الغربية، ووجدت من ينوب عنها في حمايتها وتأمين أمنها، ويأخذ دورها في إخماد أي بوادر لثورة الشعب الفلسطيني. وهكذا اختزلت أوسلو الحلم الفلسطيني لمجرد "سلطة حكم ذاتي" فوق أي مساحة أرض وعلم ورئيس.
وعلى الصعيد السياسي الفلسطيني، يجمع كثيرون أن مرحلة ما بعد أوسلو قد همشت وفرغت منظمة التحرير الفلسطينية من محتواها، حتى لم يعد لها أي وزن جدي في السياسة الفلسطينية. بدأ ذلك بإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني المجسد للحقوق الفلسطينية، ومن ثم تعطيل مؤسسات المنظمة لصالح التشكيل السلطوي الجديد- السلطة الفلسطينية، فقد تم استبدال المنظمة بالسلطة برنامجياً وسياسياً وتنظيمياً. تلك السلطة لم تكن أفضل حالاً من المنظمة، بل كانت - وما زالت - نظاماً خاضعاً بالكامل لسيادة الاحتلال يتحرك رئيسها في مناطق "نفوذه" بتصريح خاص من جيش الاحتلال.
وعلى صعيد الاستيطان مثلاً، فقد تفاقمت عمليات السهب والنهب بعد توقيع أوسلو في محاولة لفرض حقائق على الأرض، وقد كان عدد المستوطنين في الضفة الغربية حتى توقيع اتفاق أوسلو يبلغ 243 ألف مستوطن، منهم 113 ألفا في القدس المحتلة وحدها، أما بعد أوسلو فقد تضاعف عدد المستوطنين في الضفة والقدس حتى وصل إلى أكثر من 510 ألف مستوطن، منهم ما يقارب 200 ألف في القدس المحتلة، مشكلين ما يقارب 10% من مجمل سكان الضفة الغربية ومتوزعين على أكثر من 220 مستوطنة.